فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}
وهكذا يفتح الحق باب الوصول إليه؛ ليهبُّوا إلى نصرة الرسول ويزيل الضباب من أذهانهم، ويفتح لهم باب الوصول إليه لأنهم خلق الله وعياله، فهو سبحانه يريد منهم أن يكونوا جميعًا مهديين، وأن يشاركوا في نُصْرة الدعوة إليه.
والقتال في سبيل الله قد يكون مشقة في ظاهر الأمر، ولكنه يَهَبُ الدعوة انتشارًا واستقرارًا. وحين يقوم المسلمون بنصر الدعوة إلى الله، ففي هذا القيام مغفرة وتوبة، وهو رحمة من الله بهم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة».
ويقول الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي: «قالت السماء: يا ربي إئذن لي أن أسقط كِسَفًا على ابن آدم؛ لأنه طَعِمَ خيرك ومنع شكرك، وقالت البحار: يا رب إئذن لي أن أغرِقَ ابن آدم لأنه طَعِم خيرك ومنع شكرك، وقالت الأرض مثلهما».
فماذا قال الحق سبحانه وتعالى؟ قال: «دعوني وعبادي، لو خلقتموهم لرحمتموهم، إنْ تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم».
وهكذا نرى رحمة الله بخلقه.
وبعد أن لام الحق سبحانه المسلمين؛ لأنهم لم يتحمسوا للجهاد، يفتح أمامهم باب التوبة فقال: {انفروا} أي: اخرجوا للقتال، وهذا أمر من الله يوقظ به سبحانه الإيمان في قلوب المسلمين، وفي الوقت نفسه يفتح أمامهم باب التوبة لتباطئهم عن الخروج للقتال في غزوة تبوك. ولذلك قال: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} والنفرة: هي الخروج إلى شيء بمهيج عليه، والمثال: هو التباعد بين إنسان وصديق له كان بينهما وُدّ، ثم حدث من هذا الصديق سلوك أو قول يُهيج على الخروج عليه، فينفر منه الإنسان. والحق سبحانه هنا يأمر: {انفروا} والذي يهيج على النفور هو رفعة دين الله وكلمته، وحين ترفعون كلمة الله إنما يفتح لكم باب الارتفاع بها فقال: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا}. والخفيف: هو الصحيح السليم القوي الذي لا تتبعه ولا ترهقه الحركة. والثقيل: هو المريض أو كبير السن.
والله يريد من الجميع أن يسارعوا إلى القتال؛ لينجوا من العذاب الأليم، وينالوا توبته ورضاه.
ولكن الصحيح خفيف الحركة يمكنه أن يقاتل، فماذا يفعل المريض؟ يفعل مثلما فعل سيدنا سعيد بن المسيَّب وكان مريضًا، إذ قالوا له: إن الله أعفاك من الخروج إلى المعركة في قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} [الفتح: 17].
فقال: والله أكَثِّرُ سواد المسلمين وأحرس متاعهم.
ومن الممكن أن يكون المريض متميزًا بالذكاء وصحة العقل، ويمكن أن يُسْتشار في مسألة ما. وقد يكون المريض أسْوة في قومه، فإذا خرج للقتال هاج قومه وخرجوا معه، ويمكن أن يكون المريض أو الضعيف حافزًا للأقوياء على القتال.
فحين يرى الأقوياء المريض وهو يخرج للقتال؛ فإنهم يخجلون أن يتخلفوا هم.
واختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} فبعضهم قال: إن هذه إشارة إلى ذات الإنسان، فهناك ذات خفيفة وذات ثقيلة في الوزن لا تستطيع الحركة بسهولة، وقال آخرون: إن الفرد الواد يمكن أن يكون فيه الوضعان، وقوله تعالى: {انفروا} هو أمر للجماعة، و{خِفَافًا} جمع خفيف، و{ثِقَالًا} جمع ثقيل، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة إلى آحاد.
والمعنى: أن ينفر كل واحد من المسلمين سواء كان خفيفًا أم ثقيلًا. وسبق أن ضربنا المثل حينما يدخل الأستاذ على الطلبة ويقول: أخرجوا كتبكم، ومعنى هذا الأمر أن يُخرج كل تلميذ كتابه، وإن قلت: اركبوا سياراتكم، فمعنى ذلك أن يركب كل واحد منكم سيارته.
إذن: فالآية تعني: لينفر كل واحد منكم سواء كان ثقيلًا أم خفيفًا.
ولكن: كيف يكون الإنسان ثقيلًا وخفيفًا في وقت واحد؟ نقول: يكون خفيفًا أي: ذا نشاط للجهاد، وثقيلًا أي: أنه سيدخل في مشقَّة تجعل المهمة ثقيلة على نفسه. والله سبحانه وتعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].
والدخول فيما هو مكروه في سبيل الله أمر يرفع درجات الإيمان. إذن: فالآية تحتمل أكثر من معنى، فهي تحمل المعنى العام: أن يكون البعض خفيفًا والبعض ثقيلًا في ذاته، أو: أن يجمع القتال بين الخفة في الحركة والثقل في المشقة، أو: أن يكون الذي يملك دابة هو الخفيف؛ لأن الدابة تزيل المشقة وأسرع في الطريق، والثقيل هو من يجاهد ماشيًا؛ لأنه سيتحمل طول المسافة. وساعة يشحن الحق سبحانه وتعالى قلوب المؤمنين، فهو يطلب منهم ما يكلفهم به بقوة، ثم تتجلى رحمته فيخفف التكليف. ولو جاء الحكم خفيفًا في أول التشريع، ثم يُصعَّد؛ فإن هذا الأمر يكون صعبًا على النفس، ولكن عندما يأتي الحكم ثقيلًا، ثم يخفف يكون أقرب إلى النفس، والمثال في قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ} [الأنفال: 65].
وهنا يعطي الحق مقياسًا لقدرة المؤمن بالنسبة للكافر. فالعشرون يغلبون مائتين، أي: أن النسبة هي واحد من المؤمنين إلى عشرة من الكافرين، ولذلك فعندما نزلت هذه الآية كان على المؤمن الواحد أن يقتل عشرة من الكافرين، لكن الحق سبحانه وتعالى قد علم أن هذا الأمر شديد على نفوس المؤمنين بأن يواجه المؤمن الواحد عشرة من الكفار، فإنه لا يقدر على ذلك إلا أولو العزم، فقال سبحانه: {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66].
وما دام هناك ضعف فلابد أن يُخفف الأمر بالنسبة للمؤمنين في مواجهة الكفار أثناء القتال. ونقل الحق سبحانه وتعالى النسبة من: واحد إلى عشرة، إلى: واحد إلى اثنين، فقال سبحانه وتعالى: {الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يغلبوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله والله مَعَ الصابرين} [الأنفال: 66].
لذلك: مَنْ فَرَّ من قتال اثنين يكون قد فَرَّ من الزحف، ولكن إن فرّ من مواجهة ثلاثة لا يُحسب فَارًا؛ لأنهم أكثر من النسبة التي قررها الله.
وقول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} هو أمر يشمل الجميع على اختلاف أشكالهم، أي: أنها تحمل أمرًا عامًا لكافة المسلمين. ولكن هناك قول آخر في سورة التوبة، أعفى بعض حالات معينة من المؤمنين الذين أخلصوا قلوبهم لله، فيقول سبحانه: {لَّيْسَ عَلَى الضعفاء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91-92].
أي: ليس على هؤلاء الذين جاءت الآيتان الكريمتان بذكرهم أيُّ حرج في أن يقعدوا عن القتال. وكان هذا هو الاستثناء من القاعدة العامة التي فرضت على كل مؤمن أن يقاتل في سبيل الله، وهو ما جاءت به الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:
{انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا وجاهدوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} والمال هو الذي يجعلك تُعدُّ السلاح للحرب، وحين يذهب الجيش إلى القتال لابد أن يكون مُزوَّدًا بالسلاح، وبالمركبات وهي مثل الخيل على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا لابد من الزاد الذي يكفي لأيام القتال، لذلك جاء الله سبحانه وتعالى بذكر المال أولًا، ثم بعذ ذلك ذكر الأنفس والأرواح، ومن يملك القوة والمال فعليه أن يجاهد بهما، ومن يملك عنصرًا من الاثنين؛ القوة أو المال، فعليه أن يجاهد به. فإن كان ضعيفًا فعليه أن يعين بماله القوي القادر على القتال بأن يوفر له الأسلحة والخيول والدروع وغير ذلك من وسائل القتال.
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {وجاهدوا}، وجاهد وقاتل مبنية على المفاعلة، بمعنى: إن قاتلك واحد من الكفار، فلابد أن تبذل كل جهدك في قتاله، وجاهد مثل شارك، فهل تقول: شارك زيد ثم تسكت، أم تقول: شارك زيد عَمْرًا، وقاتل زيد عمرًا؟ إذن: فهناك مفاعلة.
ولكن الحق سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
وهذا القول هو أمر بالصبر على القتال. ولكن هَبْ أن عدوك صبر مثلك، هنا يأتي أمر آخر من الحق سبحانه وتعالى: {وَصَابِرُواْ} أي: اغلبه في الصبر بأن تصبر أكثر منه. وكذلك {وجاهدوا} أي: اغلبوهم في الجهاد، بأن تجاهدوا أكثر منهم.
ونعود إلى قول الحق سبحانه وتعالى: {وجاهدوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله} وسبيل الله هو: الطريق الموصل إلى الغاية التي هي رضا الله والجنة. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ}، وذا اسم إشارة ويشير إلى المفرد المستفاد من قوله تعالى: {وجاهدوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إذن: فذا تشير إلى الجهاد بالمال والنفس، و{لَّكُمْ} تشير للخطاب؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يخاطب جماعة.
وبعض من لا يفهم اللغة يقول: {ذلكم} كلمة واحدة خطابًا أو إشارة، ونقول لهم: لا، بل هي كلمتان؛ إشارة وخطاب. والإشارة هنا لشيء واحد، والخطاب لجماعة. ومثال هذا أيضًا قول الحق سبحانه على لسان امرأة العزيز في قصة يوسف عندما جمعت امرأة العزيز النسوة، وأخرجت يوسف عليهن، وصارت هناك جماعة من النسوة، وهناك يوسف- أيضًا-: {فذلكن الذي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32].
وذا المقصود بها يوسف، ولكُنَّ هن: النسوة المخَاطَبات.
ومثال آخر أيضًا هو قول الحق سبحانه: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القصص: 32].
وذان إشارة لاثنين، وهما معجزتان من معجزات موسى عليه السلام؛ العصا واليد البيضاء، وحرف الكاف للمخاطب وهو موسى عليه السلام.
إذن: فقول الحق: {ذلكم} في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها مكون من كلمتين: الإشارة لواحد والخطاب لجماعة.
وقوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ}. عن أي خير يتحدث سبحانه؟
إن نفرتم وجاهدتم بأموالكم وأنفسكم فهو خير، ولابد أن يكون خيرًا من مقابل له. والمقابل له هو القعود عن الجهاد بأموالكم وأنفسكم.
إذن: فالجهاد خير من القعود.
وكلمة {خَيْرٌ} تستعمل في اللغة استعمالين؛ الاستعمال الأول أن يراد بها الخير العام، كقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8].
ويكون مقابلها في هذه الحالة هو الشر. ومرة تأتي خير بمعنى أفعل التفضيل، كأن تقول: هذا خير من هذا. وفي هذه الحالة يكون كل من الأمرين خيرًا، ولكن أحدهما أفضل من الآخر، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خَيْرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير».
فإن جاءت خير دون أن تسبقها من فالمراد بها المقابل لها، وهو الشر.
ونجد بعضًا من أساتذة اللغة العربية يقولون: عندما تستخدم كلمة خير كأفعل تفضيل لا تقل: خير، بل قل: الخير، ولكن اللفظ المستخدم هنا هو خير، فإن استُعْمِل في أفعل التفضيل فهو يعطي الصفة الزائدة لواحد دون الثاني، والاثنان مشتركان في الخيرية.
وعلى سبيل المثال كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد اسمه زيد بن حارثة اشترته خديجة رضي الله عنها، وأهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف أبو زيد وعمه مكانه فذهبا إلى مكة ليروه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت قد علمت ورأيت محبتي لك فاخترني أو اخترهما». فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أي: أنه اختار أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يذهب مع أهله، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكافئه؛ فألحقه بنفسه وقال: «يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني يرثني وأرثه» وكان التبني مباحًا عند العرب، وأراد الحق أن يُلغي التبني وأن يطبق رسول الله هذا الإلغاء بنفسه، فجاء قول الحق سبحانه وتعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله} [الأحزاب: 40].
وهكذا أنهى الحق سبحانه وتعالى التبني، وقال سبحانه وتعالى: {ادعوهم لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5].
و{أَقْسَطُ} يعني أعدل، كأن الحق سبحانه وتعالى لم يَنْف عن رسوله صلى الله عليه وسلم العدل، ولكنه أنزل ما هو أعدل. إذن: فساعة ترى أَفعل التفضيل؛ فاعلم أنه يعطي الصفة الزائدة ويُبقي الصفة الأصلية. وفي الآية التي نحن بصددها {ذلكم خَيْرٌ} ومقابلها: أن القعود عن الجهاد بالمال والنفس شر.
يقول الحق سبحانه: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إذن: فهناك موازين نعرف بها ما هو خير وما هو شر.. وحينما قال الحق: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فكأن هناك مقدمات للعلم، فإن لم يكونوا يعلمون؛ فالله يعلمهم، ذلك أن الذي يجاهد بماله ونفسه يكون قد اقتنع بيقين أنه سوف يحصل من الجهاد على ما هو خير من المال والنفس. وأيضًا: إن قُتل فهو باستشهاده صار أسوة حسنة لمن يأتي بعده. وحين أوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من يقاتل صابرًا محتسبًا يدخل الجنة، جاء له صحابي في فمه تمرة يمضغها فيقول: أليس بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن أقاتل فيقتلوني؟ فلما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. استبطأ الصحابي أن يضيع مضغ التمرة وقتًا، وأن يتأخر عن القتال بسببها، فرماها من فمه وقاتل حتى استشهد. وكان هذا دليلًا على أنه واثق تمام الثقة أن الاستشهاد يعطيه جزاءً أعلى بكثير مما ترك. اهـ.